فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إسرائيل أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن الكلام في الآية التي قبل هذه الآية، وفيها انتقل من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة، لأن قوله: {سُبْحَانَ الذي أسرى} فيه ذكر الله على سبيل الغيبة وقوله: {بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءاياتنا} فيه ثلاثة ألفاظ دالة على الحضور وقوله: {إِنَّهُ هُوَ السميع البصير} يدل على الغيبة وقوله: {وَءاتَيْنَآ مُوسَى الكتاب} إلخ. يدل على الحضور وانتقال الكلام من الغيبة إلى الحضور وبالعكس يسمى صنعة الالتفات.
المسألة الثانية:
ذكر الله تعالى في الآية الأولى إكرامه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن أسرى به، وذكر في هذه الآية أنه أكرم موسى عليه الصلاة والسلام قبله بالكتاب الذي آتاه فقال: {وَءاتَيْنَآ مُوسَى الكتاب} يعني التوراة: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى} أي يخرجهم بواسطة ذلك الكتاب من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم والدين الحق وقوله: {أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِى وَكِيلًا} وفيه أبحاث:
البحث الأول: قرأ أبو عمرو: {أَلاَّ تَتَّخِذُواْ} بالياء خبرًا عن بني إسرائيل والباقون بالتاء على الخطاب، أي قلنا لهم لا تتخذوا.
البحث الثاني: قال أبو علي الفارسي: إن قوله: {أَلاَّ تَتَّخِذُواْ} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون أن ناصبة للفعل فيكون المعنى: وجعلناه هدى لئلا تتخذوا.
وثانيها: أن تكون أن بمعنى أي التي للتفسير وانصرف الكلام من الغيبة إلى الخطاب في قراءة العامة كما انصرف منها إلى الخطاب.
والأمر في قوله: {وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا} [ص: 6]. فكذلك انصرف من الغيبة إلى النهي في قوله: {أَلاَّ تَتَّخِذُواْ}.
وثالثها: أن تكون أن زائدة ويجعل تتخذوا على القول المضمر والتقدير: وجعلناه هدى لبني إسرائيل فقلنا لا تتخذوا من دوني وكيلًا.
البحث الثالث: قوله: {وَكِيلًا} أي ربًا تكلون أموركم إليه.
أقول حاصل الكلام في الآية: أنه تعالى ذكر تشريف محمد صلى الله عليه وسلم بالإسراء، ثم ذكر عقيبه تشريف موسى عليه الصلاة والسلام بإنزال التوراة عليه، ثم وصف التوراة بكونها هدى، ثم بين أن التوراة إنما كان هدى لاشتماله على النهي عن اتخاذ غير الله وكيلًا، وذلك هو التوحيد، فرجع حاصل الكلام بعد رعاية هذه المراتب أنه لا معراج أعلى ولا درجة أشرف ولا منقبة أعظم من أن يصير المرء غارقًا في بحر التوحيد وأن لا يعول في أمر من الأمور إلا على الله، فإن نطق، نطق بذكر الله، وإن تفكر، تفكر في دلائل تنزيه الله تعالى، وإن طلب طلب من الله، فيكون كله لله وبالله، ثم قال: {ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} وفي نصب {ذُرّيَّةِ} وجهان:
الوجه الأول: أن يكون نصبًا على النداء يعني: يا ذرية من حملنا مع نوح وهذا قول مجاهد لأنه قال: هذا نداء قال الواحدي: وإنما يصح هذا على قراءة من قرأ بالتاء كأنه قيل لهم: لا تتخذوا من دوني وكيلًا يا ذرية من حملنا مع نوح في السفينة قال قتادة: الناس كلهم ذرية نوح لأنه كان معه في السفينة ثلاثة بنين: سام وحام ويافث فالناس كلهم من ذرية أولئك، فكان قوله: يا ذرية من حملنا مع نوح، قائمًا مقام قوله: {أَيُّهَا الناس}.
الوجه الثاني: في نصب قوله: {ذُرّيَّةِ} أن الاتخاذ فعل يتعدى إلى مفعولين كقوله: {واتخذ الله إبراهيم خَلِيلًا} [النساء: 125]، والتقدير: لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح من دوني وكيلًا، ثم إنه تعالى أثنى على نوح فقال: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3]. أي كان كثير الشكر، روي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أكل قال: «الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء أجاعني» وإذا شرب قال: «الحمد لله الذي أسقاني ولو شاء أظمأني» وإذا اكتسى قال: «الحمد لله الذي كساني ولو شاء أعراني» وإذا احتذى قال: «الحمد لله الذي حذاني ولو شاء أحفاني» وإذا قضى حاجته قال: «الحمد لله الذي أخرج عني أذاه في عافية ولو شاء حبسه»، وروي أنه كان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من آمن به فإن وجده محتاجًا آثره به.
فإن قيل: قوله: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} ما وجه ملايمته لما قبله؟
قلنا: التقدير كأنه قال: لا تتخذوا من دوني وكيلًا ولا تشركوا بي، لأن نوحًا عليه الصلاة والسلام كان عبدًا شكورًا، وإنما يكون العبد شكورًا لو كان موحدًا لا يرى حصول شيء من النعم إلا من فضل الله وأنتم ذرية قومه فاقتدوا بنوح عليه السلام، كما أن آباءكم اقتدوا به، والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وآتينا موسى الكتاب} يعني التوراة.
{وجعلناه هدًى لبني إسرائيل} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن موسى هدى لبني إسرائيل.
الثاني: أن الكتاب هدى لبني إسرائيل.
{ألاّ تتخذوا من دوني وكيلًا} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: شريكًا، قاله مجاهد.
الثاني: يعني ربًّا يتوكلون عليه في أمورهم، قاله الكلبي.
الثالث: كفيلًا بأمورهم، حكاه الفراء.
قوله عز وجل: {ذرية من حملنا مع نوح} يعني موسى وقومه من بني إسرائيل ذرية من حملهم الله تعالى مع نوح في السفينة وقت الطوفان.
{إنّه كان عبدًا شكورًا} يعني نوحًا، وفيه قولان:
أحدهما: أنه سماه شكورًا لأنه كان يحمد الله تعالى على طعامه، قاله سلمان.
الثاني: أنه كان يستجد ثوبًا إلا حمد الله تعالى عند لباسه، قاله قتادة.
ويحتمل وجهين:
أحدهما: أن نوحًا كان عبدًا شكورًا فجعل الله تعالى موسى من ذريته.
الثاني: أن موسى كان عبدًا شكورًا إذ جعله تعالى من ذرية نوح. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إسرائيل أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)}
عطف قوله: {وآتينا} على ما في قوله: {أسرى بعبده} [الإسراء: 1]. من تقدير الخبر، كأنه قال أسرينا بعبدنا وأريناه آياتنا، و{الكتاب} التوراة، والضمير في {جعلناه} يحتمل أن يعود على {الكتاب} ويحتمل أن يعود على {موسى}، وقوله: {ألا تتخذوا} يجوز أن تكون أن في موضع نصب بتقدير كراهية أن موضع خفض بتقدير لأن لا تتخذوا، ويجوز أن تكون أن مفسرة بمعنى أي كما قال {أن امشوا واصبروا} [ص: 6]. فهي في هذا مع أمر موسى وهي في آياتنا هذه مع نهي، والمعنى مع هذه التقديرات فعلنا ذلك لئلا تتخذوا يا ذرية، ويحتمل أن يكون {ذرية} مفعولًا، ويحتمل أن تكون أن زائدة ويضمر في الكلام قول تقديره قلنا لهم: لا تتخذوا، وأما أن يضمر القول ولا تجعل أن زائدة فلا يتجه، لأن ما بعد القول إما يكون جملة تحكى، وإما أن يكون ترجمة عن كلام لا هو بعينه، فيعمل القول في الترجمة كما تقول لمن قال: لا إله إلا الله قلت حقًا، وقوله: {ألا تتخذوا} ليس بواحد من هذين، قاله أبو علي وقرأ جمهور الناس {تتخذوا} بالتاء على المخاطبة، وقرأ أبو عمرو وحده {ألا يتخذوا} بالياء على لفظ الغائب، وهي قراءة بن عباس ومجاهد وقتادة وعيسى وأبي رجاء، والوكيل هنا فعيل من التوكل أي متوكلًا عليه في الأمور، فهو ند لله بهذا الوجه، قال مجاهد: {وكيلًا} شريكًا، وقرأ جمهور الناس {ذُرية} بضم الذال وقرأ مجاهد بفتحها، وقرأ زيد بن ثابت وأبان بن عثمان ومجاهد أيضًا بكسرها، وكل هذا بشد الراء والياء، ورويت عن زيد بن ثابت بفتح الذال وتسهيل الراء وشد الياء على وزن فعيلة، و{ذرية} وزنها فعولة، أصلها ذرورة، أبدلت الراء الثانية ياء كما قالوا قصيت شعري أي قصصته، ثم قلبت الواو ياء وأدغمت ثم كسرت الراء لتناسب الياء، وكل هؤلاء قرؤوا {ذرية} بالنصب، وذلك متجه إما على المفعول بـ {يتخذوا} ويكون المعنى أن لا يتخذ بشر إلهًا من دون الله، وإما على النداء أي يا ذرية، فهذه مخاطبة للعالم، قال قوم: وهذا لا يتجه إلا على قراءة من قرأ {تتخذوا} بالتاء من فوق، ولا يجوز على قراءة من قرأ و{يتخذوا} بالياء لأن الفعل الغائب والنداء لمخاطب والخروج من الغيبة إلى الخطاب إنما يستسهل مع دلالة الكلام على المراد، وفي النداء لا دلالة إلا على التكلف، وإما على النصب بإضمار أعني وذلك متجه على القراءتين على ضعف النزعة في إضمار أعني، وإما على البدل من قوله: {وكيلًا} وهذا أيضًا فيه تكلف، وقرأت فرقة {ذريةٌ} بالرفع على البدل من الضمير المرفوع في {يتخذوا} وهذا إنما يتوجه على القراءة بالياء، ولا يجوز على القراءة بالتاء لأنك لا تبدل من ضمير مخاطب لو قلت: ضربتك زيدًا على البدل لم يجز، وقوله: {ذرية من حملنا مع نوح} إنما عبر بهذه العبارة عن الناس الذين عناهم في الآية بحسب الخلاف المذكور لأن في هذه العبارة تعديد النعمة على الناس في الإنجاء المؤدي إلى وجودهم، ويقبح الكفر والعصيان مع هذه النعمة، والذين حملوا مع نوح وأنسلوا هم بنوه لصلبه لأنه آدم الأصغر، وكل من على الأرض اليوم من نسله هذا قول الجمهور ذكره الطبري عن قتادة ومجاهد وإن كان معه غيرهم فلم ينسل قال النقاش: اسم نوح عبد الجبار، وقال ابن الكلبي: اسمه فرج، ووصفه بالشكر، لأنه كان يحمد الله في كل حال وعلى كل نعمة على المطعم والمشرب والملبس والبراز وغير ذلك صلى الله عليه وسلم، قاله سلمان الفارسي وسعيد بن مسعود وابن أبي مريم وقتادة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وآتينا موسى الكتاب} لمَّا ذكر في الآية الأولى إِكرام محمد صلى الله عليه وسلم، ذكر في هذه كرامة موسى.
و{الكتاب}: التوراة.
{وجعلناه هدىً لبني إسرائيل} أي: دللناهم به على الهدى.
{ألاَّ تتخذوا} قرأ أبو عمرو: {يتخذوا} بالياء، والمعنى: هديناهم لئلا يتخذوا.
وقرأ الباقون بالتاء، قال أبو علي: وهو على الانصراف إِلى الخطاب بعد الغَيْبَة، مثل {الحمد لله} ثم قال {إِياك نعبد}.
قوله تعالى: {وكِيلًا} قال مجاهد: شريكًا.
وقال الزجاج: ربًّا.
قال ابن الأنباري: وإِنما قيل للربِّ: وكيل، لكفايته وقيامه بشأن عباده، من أجل أَن الوكيل عند الناس قد عُلم أَنه يقوم بشؤون أصحابه، وتفقُّد أمورهم، فكان الرب وكيلًا من هذه الجهة، لا على معنى ارتفاع منزلة الموكِّل وانحطاط أمر الوكيل.
قوله تعالى: {ذرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا} قال مجاهد: هو نداء: يا ذرية من حملنا.
قال ابن الأنباري: من قرأ: {ألاَّ تتخذوا} بالتاء، فإنه يقول: بعد الذرية مضمر حُذفَ اعتمادًا على دلالة ما سبق، تلخيصه: يا ذرية من حملنا مع نوح لا تتخذوا وكيلًا، ويجوز أن يستغني عن الإِضمار بقوله: {إِنه كان عبدًا شكورًا} لأنه بمعنى: اشكروني كشكره.
ومن قرأ: {لا يتخذوا} بالياء، جعل النداء متصلًا بالخطاب، والذرية تنتصب بالنداء، ويجوز نصبها بالاتخاذ على أَنها مفعول ثانٍ، تلخيص الكلام: أن لا يتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلًا.
قال قتادة: الناس كلُّهم ذرِّيَّة من أنجى الله في تلك السفينة.
قال العلماء: ووجه الإِنعام على الخَلْق بهذا القول، أنهم كانوا في صلب من نجا.
قوله تعالى: {إِنه كان عبدًا شكورًا} قال سلمان الفارسي: كان إِذا أَكل قال: الحمد لله وإِذا شرب قال: الحمد لله.
وقال غيره: كان إِذا لبس ثوبًا قال: الحمد لله فسمَّاه الله عبدًا شكورًا. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إسرائيل أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)} أي كَرّمنا محمدًا صلى الله عليه وسلم بالمعراج، وأكرمنا موسى بالكتاب وهو التوراة.
{وَجَعَلْنَاهُ} أي ذلك الكتاب.
وقيل موسى.
وقيل معنى الكلام: سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا وآتى موسى الكتاب؛ فخرج من الغيبة إلى الإخبار عن نفسه جل وعز.
وقيل: إن معنى سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا، معناه أسرينا، يدل عليه ما بعده من قوله: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ} فحمل {وآتينا موسى الكتاب} على المعنى.
{أَلاَّ تَتَّخِذُواْ} قرأ أبو عمرو: {يتخذوا} بالياء.
الباقون بالتاء.
فيكون من باب تلوين الخطاب.
{وَكِيلًا} أي شريكًا؛ عن مجاهد.